والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو للإنسان على الإطلاق، وقد عدد نعما ونقما وسماها كلها آلاء، من قبل ما في نقمه من المزاجر والمواعظ للمعتبرين.
﴿هَذَا﴾ القرآن ﴿نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى﴾ أي: إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم. أو هذا الرسول منذر من المنذرين الأولين، وقال ﴿الأُولَى﴾ على تأويل الجماعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والخطاب لرسول الله ﷺ أو للإنسان)، الثاني أظهر لقوله تعالى في الرحمن: ﴿فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ على أن الخطاب إذا كان لرسول الله ﷺ فهم المرادون أيضًا؛ لأن الخطاب إما من باب الإلهاب والتهييج، أو لأنه هو الرئيس والقدوة، وهم المرؤوسون.
قوله: (وقد عدد نعمًا ونقمًا وسمى كلها آلاء)، اعلم أنه تعالى جعل الكلام على نمطين، وكل نمط مشتمل على نعم ونقم، أما النمط الأول فمن قوله: والنجم إلى قوله: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى﴾ من النعم التي دونها كل نعم، ومن قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ والْعُزَّى﴾ إلى قوله: ﴿أَمْ لِلإنسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ مشتمل على النقم التي دونها كل نقم، أما النمط الثاني فابتداؤه من قوله: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّا بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى﴾ إلى قوله: ﴿وأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى﴾ في بيان النعم الجسيمة، ومن قوله: ﴿وأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى﴾ إلى قوله: ﴿فَغَشَّاهَا﴾ من النقم.
قوله: (﴿هَذَا﴾ القرآن ﴿نَذِيرٌ﴾) إلى قوله: (أو هذا الرسول)، يعني: في بيان ﴿نَذِيرٌ﴾، بقوله: ﴿مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى﴾ بعد ذكر قوله: ﴿مَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وإبْرَاهِيمَ الَّذِي وفَّى﴾ إشعار بأن المشار إليه بقوله: ﴿هَذَا﴾ هو القرآن أو الرسول.
قوله: (من المنذرين الأولين) فإن قلت: كيف أعتبر معنى التأخر في الزمان، ثم المرتبة في "مناة الثالثة الأخرى"؟ وكذا في ﴿عَادًا الأُولَى﴾ فيهما، وخص هذا الموضع بالتقدم الزماني؟
قلت: استدعى ذلك احتمال التحقير في الأولى والتعظيم في الثانية، وهاهنا ليس المراد سوى التقدم في الزمان لأنه على وزان ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الأحقاف: ٩] فلا يدخل في المعنى إرادة التعظيم. ؟


الصفحة التالية
Icon