وقوله ﴿وإن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾ يرده، وكفى به رادا، وفي قراءة حذيفة (وقد انشق القمر) أي: اقتربت الساعة، وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق، كما تقول: أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه. وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال: ألا إن الساعة قد اقتربت؛ وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم.
﴿مُّسْتَمِرٌّ﴾: دائم مطرد، وكل شيء قد انقادت طريقته ودامت حاله، قيل فيه: قد استمر. لما رأوا تتابع المعجزات وترادف الآيات قالوا: هذا سحر مستمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مترادفة، ومعجزات سابقة. وفي "الكبير": قوله انشقاق القمر منتظر بعيد، لأن من منع ذلك، وهو الفلسفي المخذول، يمنعه في الماضي والمستقبل، ومن يجوز لا يحتاج إلى التأويل، وإنما ذهب الذاهب، لأن الانشقاق أمر هائل، ولو وقع لعم وجه الأرض، وبلغ مبلغ التواتر.
والجواب: أن الموافق فقد نقله، وبلغ مبلغ التواتر، وأما المخالف فربما ذهل، أو حسب أنه نحو الخسوف، والقرآن أولى دليل وأقوى شاهد، وإمكانه لا شك فيه، وقد أخبر عنه الصادق، فيجب اعتقاد وقوعه، وأما امتناع الخرق والالتئام فحديث اللئام.
قوله: (وفي قراءة حذيفة: "وقد انشق القمر") قال ابن جني: هذا يجري مجرى الموافقة على إسقاط العذر، ورفع التشكك، أي: قد كان انشقاق القمر، فتوقعوا قرب الساعة، أي: إذا كان انشقاقه من أشراطها وأحد أدلة قربها، فقد توكد الأمر في وقوعها، وذلك أن "قد" إنما هي جواب وقوع كان متوقعًا، يقول القائل: انظر أقام زيد؟ وهل قام زيد؟ وأرجو أن لا يتأخر زيد، فيقول المجيب: قد قام، أي: قد وقع ما كان متوقعًا.


الصفحة التالية
Icon