أي: خلقنا كل شيء مقدرا محكما مرتبا على حسبب ما اقتضته الحكمة. أو مقدرا مكتوبا في اللوح، معلوما قبل كونه، قد علمنا وزمانه.
﴿ومَا أَمْرُنَا إلاَّ واحِدَةٌ﴾ إلا كلمة واحدة سريعة التكوين ﴿كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ أراد قوله: كن: يعني أنه إذا أراد تكوين شيء لم يلبث كونه.
[﴿ولَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * وكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ ٥١ - ٥٣].
﴿أَشْيَاعَكُمْ﴾ أشباهكم في الكفر من الأمم، ﴿فِي الزُّبُرِ﴾ في دواوين الحفظة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند الله، لا يزيد ولا ينقص، وذلك على الله يسير، ﴿ومَا أَمْرُنَا إلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾، ثم عم التهديد في جميع ما صدر عن المشركين من أعمالهم بقوله: ﴿وكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ كما قال: "كل ما هو كائن مسطور في اللوح"، وبهذا ظهر أن القدر كالأساس، والقضاء كالبناء عليه، وعليه كلام الراغب قال: القضاء من الله أخص من القدر، لأ، الفصل بين التقدير والقدر: هو التقدير، والقضاء: هو التفصيل والقطع، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المد للكيل. ولهذا لما قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفر من القضاء؟ قال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله، تنبيهًا على أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله، فإذا قضى فلا مدفع له، ويشهد بذلك قوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٢١] ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١]. وقد استقصينا القول في آخر سورة يونس عليه السلام، وفي فاطر. وحديث عمر وأبي عبيدة مختصر من "صحيح البخاري" عن ابن عباس.
قوله: (أو مقدرًا مكتوبًا) أي: القدر بمعنى التقدير، فهو إما أن يحمل على المقدر المسوى بأمثلة الحكمة، كما قال تعالى: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [عبس: ١٨] أي: صوره وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة، وإما على الحكم المبرم الذي هو مقارن للقضاء.