فإن قلت: فما معنى قوله: ﴿مِّن نَّارٍ﴾ قلت: هو بيان لمارج، كأنه قيل: من صاف من نار، أو مختلط من نار، أو أراد من نار مخصوصة، كقوله تعالى: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل: ١٤].
﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ١٧ - ١٨].
قرئ: (رب المشرقين ورب المغربين) بالجر بدلا من ﴿رَبِّكُمَا﴾، وأراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما.
[﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ والْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ١٩ - ٢٣].
﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ﴾ أرسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين، لا فصل بين الماءين في مرأى العين. ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ﴾ حاجز من قدرة الله تعالى، ﴿لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ لا يتجاوزان حديهما، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كأنه قيل: من صاف من نار، أو مختلط من نار) هذا الوجهان مبنيان على تفسيره المارج تارة باللهب الصافي، وأخرى بالمختلط بسواد النار، وعلى التقديرين جرد من النار، إما اللهب الصافي أو المختلط أو التنكير في نار للنوع أي: المعلوم في عرف الشرع، ولهذا استشهد بقوله: ﴿نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل: ١٤].
قوله: (﴿بَرْزَخٌ﴾: حاجز من قدرة الله)، الراغب: البرزخ: الحاجز، والحد بين الشيئين، والبرزخ أيضًا: الحائل بين الإنسان وبين بلوغ المنازل في الآخرة، وذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ [البلد: ١١]، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] وتلك العقبة، موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون.


الصفحة التالية
Icon