فإن قلت: ما النعمة في ذلك؟
قلت: أعظم النعمة؛ وهي مجيء وقت الجزاء عقيب ذلك.
[﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ٢٩ - ٣٠].
﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ﴾ كل من أهل السموات والأرض مفتقرون إليه، فيسأله أهل السموات ما يتعلق بدينهم، وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم.
﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ﴾ أي: كل وقت وحين يحدث أمورا، ويجدد أحوالا، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلك أنه تلاها فقيل له: وما ذلك الشأن؟ فقال: "من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين"، وعن ابن عيينة: الدهر عند الله تعالى يومان، أحدهما: اليوم الذي هو مدة عمر الدنيا، فشأنه فيه الأمر والنهي والإماتة والإحياء والإعطاء والمنع. والآخر: يوم القيامة، فشأنه فيه الجزاء والحساب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقيل: ما أجلني ولا أدقني، أي: ما أعطاني بعيرًا ولا شاة، ثم صار مثلًا في كل صغير وكبير، وخص الجلالة بالناقة الجسيمة، والجلة بالمسان منها.
قوله: (ما النعمة في ذلك؟ ) ذلك إشارة إلى مجموع قوله: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * ويَبْقَى وجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكْرَامِ﴾ يعني: أنه تعالى رتب بالفاء قوله: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ على تلك الآية تأنيبًا وتوبيخًا على كفرانهم هذه النعمة السنية، كقوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢] أي: ينكر رزقكم، فأي نعمة في بقاء الحق بعد إفناء الخلق، وأجاب بأن المراد من الآية ملزوم معناها، لأنها كناية عن مجيء وقت الجزاء، وهو من أجل النعم، كما سبق في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ [المؤمنون: ١٥] ولذلك خص الوصفين بالذكر يعني: الجلال والإكرام، لأنهما يدلان على الإثابة والعقاب.


الصفحة التالية
Icon