شؤون الخلق التي أرادها بقوله: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ﴾، فلا يبقى إلا شأن واحد، وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل، وقرئ: (سيفرغ لكم)، أي: الله تعالى، (سأفرغ لكم) و (سنفرغ) بالنون مفتوحا ومكسورا وفتح الراء، و (سيفرغ) بالياء مفتوحا ومضموما مع فتح الراء، وفي قراءة أبي: (سنفرغ إليكم)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضربين: أحدهما: الفراغ من شغل، والآخر القصد لشيء، تقول: قدر فرغت مما كنت فيه، أي: زال شغلي به، وتقول: سأتفرغ لفلان، أي: سأجعله قصدي.
وقلت: الوجه الأول في الكتاب محمول على مجرد القصد، فهو كناية عن التوفر على النكاية، ثم استعير هذه العبارة للخالق عز شأنه، لذلك المعنى، وإليه أشار بقوله: " ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ مستعار من قول الرجل لم يتهدده: سأفرغ لك"، والوجه الثاني منزل على الفراغ من الشغل، لكن على سبيل التمثيل، شبه تدبيره تعالى أمر الآخرة من الاخذ في الجزاء، وإيصال الثواب والعقاب إلى المكلفين، بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا بالأمر والنهي، والإماتة والإحياء، والمنع والإعطاء، وأنه لا يشغله شأن عن شأن بحال من إذا كان في شغل يشغله عن شغل آخر، إذا فرغ من ذلك الشغل شرع في آخر، وقد ألم به صاحب "المفتاح" حيث قال: الفراغ الخلاص عن المهام، والله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن، وقع مستعارًا للأخذ في الجزاء وحده. وهو المراد من قوله: "فجعل ذلك فراغًا لهم على طريق المثل".
قوله: ("سيفرغ لكم") حمزة والكسائي: بالياء، والباقون: بالنون.


الصفحة التالية
Icon