له ولا تبال به، وعلى معنى: إنها وقعة لا تطاق شدة وفظاعة، وأن نفس حينئذ تحدث صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور، وتزين له احتمالها وإطاقتها، لأنهم يومئذ أضعف من ذلك وأذل. ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿كَالْفَرَاشِ المَبْثُوثِ﴾ [القارعة: ٤] والفراش مثل في الضعف. وقيل ﴿كَاذِبَةٌ﴾ مصدر؛ كالعاقبة، بمعنى التكذيب، من قولك: حمل على قرنه فما كذب، أي: فما جبن وما تثبط. وحقيقته: فما كذب نفسه فيما حدثته به من إطاقته له وإقدامه عليه. قال زهير:
إذا.... ما الليث كذب عن أقرانه صدقا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (حمل على قرنه فما كذب، أي: فما جبن)، وقال الزجاج: ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾، أي: لا يردها شيء، كما تقول: قد حمل فلان فما كذب، أي: لا يرد حملته شيء، وهو مصدر جبن ونكل، ومعناه: كذب الظن به، أو جعل حملته كاذبة غير صادقة.
قوله: (إذا ما الليث كذب عن أقرانه صدقًا)، صدره:
ليث بعثر يصطاد الرجال
يمدح شجاعًا، وعثر: اسم موضع، أي: إذا جبن الشجاع عن قرنه بسل هو وأقدم غير مبال ولا مكترث، وقال أبو علي: الكذب ضرب من القول، فكما جاز أن يتسع في القول في غير نطق نحو:
قد قالت الأنساع للبطن الحق
جاز في الكذب أن يجعل في غير نطق، نحو:
كذب القراطف والقروف
فيكون ذلك انتفاءً لها، كما إذا أخبر عن الشيء على خلاف ما هو به، كان انتفاء للصدق


الصفحة التالية
Icon