﴿فِي سَمُومٍ﴾ في حر نار ينفذ في المسام، ﴿وحَمِيمٍ﴾ وما حار متناه في الحرارة، ﴿وظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ﴾ من دخان أسود بهيم، ﴿لا بَارِدٍ ولا كَرِيمٍ﴾ نفي لصفتي الظل عنه، يريد: أنه ظل، ولكن لا كسائر الظلال: سماه ظلا، ثم نفس عنه برد الظل وروحه ونفعه لمن يأوي إليه من أذى الحر، وذلك كرمه ليمحق ما في مدلول الظل من الاسترواح إليه.
والمعنى: أنه ظل حار ضار، إلا أن للنفي في نحو هذا شأنا ليس للإثبات. وفيه تهكم بأصحاب المشأمة، وأنهم لا يستأهلون الظل الباردة الكريم، الذي هو لأضدادهم في الجنة. وقرئ: (لا بارد ولا كريم) بالرفع، أي: لا هو كذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وذلك كرمه) أي: كرم الظل، قال في الشعراء: "والكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه". الراغب: كل شيء يشرف في بابه، فإنه يوصف بالكرم و"كرم الظل": ما ذكره، وهو برده من روحه ونفعه لمن يأوي إليه من أذى الحر.
قال في "الكبير": الأقوى أن يقال: إن الظل يطلب لأم يرجع إلى الحس، وهو برودته، ولأمر يرجع إلى العقل، وهو كرامته، كأنه قيل: لا برد ولا كرامة.
قوله: (إلا أن للنفي في نحو هذا شأنًا ليس للإثبات) يعني: كان من حق الظاهر أن يقال: وظل حار ضار، فعدل إلى قوله: ﴿وَظِلٍّ﴾، ليتبادر منه إلى الذهن أولًا الظل المتعارف فيطمع السامع، فإذا نفى عنه ما هو المطلوب من الظل، وهو البرد والاسترواح، جاءت السخرية والتهكم والتعريض بأن الذي يستأهل الظل الذي فيه برد وإكرام غير هؤلاء، فيكون أشجى لحلوقهم وأشد لحسرتهم.
قوله: (أي: لا هو كذلك) أي: إذا قرئا بالرفع كانا خبرين لمبتدأ محذوف، فيكون عطف جملة على جملة، فيقوى الاهتمام بما قصد بهما.


الصفحة التالية
Icon