نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ ومَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ ونُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} ٥٧ - ٦٢].
﴿فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾ تخصيص على التصديق؛ إما بالخلق لأنهم وإن كانوا مصدقين به، إلا أنهم لما كان مذهبهم خلاف ما يقتضيه التصديق، فكأنهم مكذبون به. وإما بالبعث؛ لأن من خلق أولا لم يمتنع عليه أن يخلق ثانيا.
﴿مَّا تُمْنُونَ﴾ ما تمنونه، أي: تقذفونه في الأرحام من النطف، وقرأ أبو السمال بفتح التاء، يقال: أمنى النطفة ومناها. قال الله تعالى: ﴿مِن نُّطْفَةٍ إذَا تُمْنَى﴾ [النجم: ٤٦].
﴿تَخْلُقُونَهُ﴾ تقدرونه وتصورونه. ﴿قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ﴾ تقديرا وقسمناه عليكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإما بالبعث) يعني قوله: ﴿فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾ مطلق لم يقيد بماذا يصدقون، فيحتمل أن يقيد بما يدل عليه قوله: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ أو بما قبله وهو قولهم: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وكُنَّا تُرَابًا وعِظَامًا﴾ والذي يرجح تقدير الخلف شيئان؛ أحدهما: قرب الدليل، ثم التفصيل بقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ﴾ وثانيها: أن قوله: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ إلى آخر الآيات نوع آخر من الرد على منكري الحشر، فإن قوله: ﴿إنَّ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ﴾ إثبات البعث بطريق إثبات النص القاطع والوعد الصادق، وقوله: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً﴾ إثبات له بحسب البرهان الباهر، ألا ترى كيف فصل ذلك بقوله: ﴿ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى﴾ و ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ﴾ [الواقعة: ٦٣] و ﴿أَفَرَأَيْتُم﴾ [الواقعة: ٦٨] و ﴿أَفَرَأَيْتُم﴾ [الواقعة: ٧١].
قوله: ﴿مَّا تُمْنُونَ﴾ ما تمنونه، أي: تقذفونه في الأرحام)، اعلم أن الإمام بين في البقرة وجه الاستدلال بهذه الأنواع المذكورة وأحسن فيها كل الحسن، وأما وجه الاستدلال بهذه الآية، فأن يقال: إن المني إنما يحصل من فضله الهضم، وهو كالطل المنبث في أطراف الأعضاء، ولهذا تشترك الأعضاء بالتذاذ الوقاع لحصول الانحلال عنها كلها، ثم إن الله سبحانه وتعالى سلط قوة الشهوة على البنية حتى إنها تجمع تلك الأجزاء الطلية، فالحاصل أن تلك الأجزاء كانت متفرقة جدًا، أولًا في أطراف العالم، ثم إنه تعالى جمعها في بدن ذلك الحيوان، فتفرقت في أطراف بدنه، ثم جمعها الله في أوعية المني، فأخرجها ماءً دافقًا إلى قرار


الصفحة التالية
Icon