قلت: الواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية، والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء. وأما الوسطى، فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخريين، فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات، الماضية والآتية، وهو في جميعها ظاهر وباطن: جامع للظهور بالأدلة والخفاء، فلا يدرك بالحواس. وفي هذا حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الواو الأولى) يريد أن الواوات الداخلة بين الصفات تفيد معنى الجمعية، لكن الواو المتوسطة بين "الأول" و"الآخر" جامعة بين الأولية والآخرية، فالأولية والآخرية صارتا كصفة واحدة، وكذا المتوسطة بين "الظاهر" و"الباطن"، وأما الواو الداخلة بين هاتين القرينتين، أفادت معنى امتزاج تينك الصفتين بهاتين الأخريين، فإذًا لا انقطاع لوصفيته سبحانه وتعالى من الظاهرية والباطنية، أزلًا وأبدًا، كما أنه تعالى باطن في الدنيا لا يرى، كذلك باطن في العقبى لا يرى، وإليه أشار بقوله: "هو في جميعها ظاهر وباطن" إلى قوله: "وفي هذا حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة".
الانتصاف: لا دليل في الآية على ما قال، فيجوز أن يحمل على عدم الإدراك بالحاسة في الدنيا وفي الآخرة للكفار، ولنا في الرؤية كالمعتزلة لقوله: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] فإن قيل: التخصيص خلاف الظاهر أيضًا، فجاز تخصيص الباطن.
وقال حجة الإسلام في "المقصد الأسنى": اعلم أن الأول يكون أولًا بالإضافة إلى شيء، والآخر آخرًا بالإضافة إلى شيء واحد، وهما متناقضان فلا يتصور أن يكون الشيء