وحقيقة ﴿مَوْلاكُمْ﴾: محراكم ومقمنكم. أي: مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة للكرم، أي مكان؛ لقول القائل: إنه لكريم. ويجوز أن يراد: هي ناصركم، أي لا ناصر لكم غيرها. والمراد: نفي الناصر على البتات. ونحوه قولهم: أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع. ومنه قوله تعالى: ﴿يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾، وقيل: تتولاكم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار.
﴿أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ومَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ ولا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ ١٦]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المخافة، ومعنى مولى: أولى، والضمير الذي هو اسم "أن" عائد إلى "كلا" لأنه مفرد اللفظ، كقوله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا﴾ [الكهف: ٣٣]، و"مولى المخافة" خبر "إن"، و"خلفها وأمامها" خبران لمبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون تفسيرًا لكلا الفرجين، أو بدلًا منه، وتقديره: فغدت كلا الفرجين خلفها وأمامها، تحسب أنها مولى المخافة. من كلام الزوزني.
قوله: (ومقمنكم) من القمين: الجدير.
قوله: (كما قيل: هو مئنة الكرام) أي: "مولى" مفعل من أولى، كما أن "مئنة" مفعلة من "إن" التي للتحقيق، غير مشتقة من لفظها؛ لأن الحروف لا يشتق منها، وإنما ضمنت حروفها دلالة على أن معناها فيها، وكما يقال: "مئنة" موضع "إن"، يقال فيه: إن التحقيقية، كذلك معنى ﴿مَوْلَاكُمْ﴾: مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم، وقوله: "مئنة الكرم" كناية رمزية، نحو قولهم: الكرم بين برديه، والمجد بين ثوبيه.
قوله: (فاستنصر الجزع) أي: طلب النصر، ولم يجد سوى الجزع، والجزع ليس ينصر، فإذن لا نصر لهم البتة.