ويجوز أن تكون"الرهبانية" معطوفةً على ما قبلها، و ﴿ابْتَدَعُوهَا﴾: صفةً لها في محل النصب، أي: وجعلنا في قلوبهم رأفةً ورحمةً ورهبانيةً مبتدعةً من عندهم، بمعنى: وفقناهم للتراحم بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها، ما كتبناها عليهم إلا ليبتغوا بها رضوان الله، ويستحقوا بها الثواب، على أنه كتبها عليهم وألزمها إياهم ليتخلصوا من الفتن، ويبتغوا بذلك رضا الله وثوابه، ﴿فَمَا رَعَوْهَا﴾ جميعًا ﴿حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾؛ ولكن بعضهم، ﴿فَآتَيْنَا﴾ المؤمنين المراعين منهم للرهبانية ﴿أَجْرَهُمْ﴾، ﴿وكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ وهم الذين لم يرعوها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد سبق إليه، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به، لأن رسول الله ﷺ قد جعل له في ذلك ثوابًا، فقال: "من سن سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها"، وقال في ضده: "من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها"، وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله. ويعضد ذلك قول عمر بن الخطاب في صلاة التراويح: نعمت البدعة، هذا لما كانت من أفعال الخير، وداخلة في حيز المدح، سماها بدعة ومدحها.
قال محيي الدين النواوي في "شرح صحيح مسلم": قال العلماء: البدعة خمسة أقسام؛ واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، فمن الواجب: تعلم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة والمبتدعين، وشبه ذلك، ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك، ومن المباح: التبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك، والحرام والمكروه ظاهران.
فعلم أن الحديث من العام المخصوص، ويؤيده ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعة، والله أعلم.
قوله: (ويجوز أن تكون "الرهبانية" معطوفة على ما قبلها)، عطف على قوله: "وانتصابها بفعل مضمر".


الصفحة التالية
Icon