فإن قلت: ما الداعي إلى تخصيص الثلاثة والخمسة؟
قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن قومًا من المنافقين تحلقوا للتناجي مغايظةً للمؤمنين على هذين العددين: ثلاثةً وخمسةً، فقيل: ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة كما ترونهم يتناجون كذلك ﴿ولا أَدْنَى﴾ عدديهم ﴿ولا أَكْثَرَ إلاَّ﴾ والله معهم يسمع ما يقولون، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية: كانوا يومًا يتحدثون، فقال أحدهم: أترى أن الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضًا ولا يعلم بعضًا. وقال الثالث: إن كان يعلم بعضًا فهو يعلم كله، وصدق؛ لأن من علم بعض الأشياء بغير سبب فقد علمها كلها؛ لأن كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كل معلوم، والثاني: أنه قصد أن يذكر ما جرت عليه العادة من أعداد أهل النجوى، والمتخالين للشورى، والمندبون لذلك ليسوا بكل أحد، وإنما هم طائفة مجتباة من أولي النهى والأحلام، ورهط من أهل الرأي والتجارب، وأول عددهم: الاثنان فصاعدًا إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال، وحكم به الاستصواب. ألا ترى إلى عمر الخطاب رضي الله عنه كيف ترك الأمر شورى بين ستة ولم يتجاوز بها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني يجوز أن يكون ﴿نَّجْوَى﴾ بمعنى متناجين، ويكون نصب "ثلاثة" على الحال من الضمير المستكن في النجوى.
قوله: (بغير سبب)، أي: بغير سبب خارجي، يعني أن سبب العلم بذلك هو ذاته.
قوله: (والمندبون لذلك)، أصله: المنتدبون، فقلبت التاء دالًا وأدغم، أي: مدعون للشورى، يقال: ندبه لأمر فانتدب له، أي: دعاه له فأجاب.
الأساس: ندب لكذا أو إلى كذا، وفلان مندوب لأمر عظيم ومندب له.
قوله: (كيف ترك الأمر شورى بين ستة)، قال صاحب "الكامل في التاريخ": إن عمر ابن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت؟ قال: لو كان أبو عبيدة حيًا