قلت: في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم؛ وفي تصيير ضميرها اسمًا ل"أن" وإسناد الجملة إليه: دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة، لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم؛ وليس ذلك في قولك: وظنوا أن حصونهم تمنعهم. وقرئ: (فآتاهم الله) أي: فآتاهم الهلاك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها)، قال صاحب "الفرائد": وليس بذلك، بل ﴿حُصُونُهُم﴾ مرتفعة بـ ﴿مَّانِعَتُهُمْ﴾ لأن اسم الفاعل إذا كان متعمدًا عمل، وهو خبر أن مع مرفوعها، مثله عن صاحب "الفلك الدائر" قال: إن ﴿حُصُونُهُم﴾ لا ترتفع بأنه مبتدأ كما ظنه إلا على وجه ضعيف، والصحيح أنه فاعل ﴿مَّانِعَتُهُمْ﴾، فـ ﴿مَّانِعَتُهُمْ﴾ اسم فاعل معتمد على ما قبله، لأنه في الحقيقة خبر المبتدأ، فيعمل فيما بعده عمل الفعل، نحو: زيد قائم أبوه. وكذا عن صاحب "الكشف".
وقلت: صاحب المعاني لا ينظر إلا إلى أصل المعنى، ثم إلى فائدة عدو له عن أصله، ولا شك أن أفعال القلوب من دواخل المبتدأ والخبر، وأن الأصل: ظنوا أن لا يخرجوا لقوله: ﴿مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا﴾ بناء على قوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ليطابق ما قبله بإيقاع الناصبة للفعل بعدها، فخولف ليؤذن بأن ظن المؤمنين كان على الرجاء والطمع، وظنهم على العلم واليقين، فعلم من التأسيس أن بناء أمره على الجزم والثبوت، ثم في المرتبة الثانية، ظنوا أن حصونهم تمنعهم نظرًا إلى كلام أوساط الناس كما يعلم من مفهوم سؤاله، ثم لما أريد مزيد التوكيد قيل: ظنوا أن حصونهم لإفادة التخصيص، وأن ليس لحصونهم صفة سوى المنع، وأنه