﴿عَذَابُ النَّارِ﴾ يعني: إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة.
[﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الفَاسِقِينَ﴾ ٥]
﴿مِّن لِّينَةٍ﴾ بيان لما قطعتم. ومحل ﴿مَا﴾ نصب بـ ﴿قَطَعْتُم﴾، كأنه قال: أي شيء قطعتم، وأنث الضمير الراجع إلى ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿أَوْ تَرَكْتُمُوهَا﴾ لأنه في معنى اللينة. واللينة: النخلة من الألوان، وهي ضروب النخل ما خلا العجوة والبرنية، وهما أجود النخيل، وياؤها عن واو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة)، يريد بعذاب الدنيا القتل والسبي.
فإن قلت: هذا يؤذن أن الجلاء أدون حالًا من القتل، وأنه ليس بعذاب، وقد قال هاهنا أنه أشق عليهم من الموت وأنشد في البقرة:
لقتل بحد السيف أحسن موقعًا.... على النفس من قتل بحد فراق
قلت: لا شك أن جعل الجلاء أشد من القتل من باب الادعاء، وإلحاق الناقص بالكامل، وأما قوله: "ولهم سواء أجلوا أو قتلوا عذاب النار"، فبيان للفرق بين التركيبين، أعني قوله: ﴿ولَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ وقوله: ﴿ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّار﴾، وأن الأول امتناعي لا ثبات له كالشرط، قال في سورة يوسف: "لولا، وجوابها في حكم الشرط"، والثاني جملة اسمية قطعية، لكنه أهمل بيان فائدة تقديم الخبر على المبتدأ من الاختصاص، وأن المعنى: أنهم مخصوصون بهذا الحكم لكونهم شاقوا الله ورسوله، فيعلم منه أن من لم يشاق الله ورسوله حكمه مباين لهذا.