..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: حاصل هذا التقرير أن ما في الحشر منسوخ بقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]، وهو مشكل لأن ما في الأنفال سابق زمانًا على ما في الحشر، فلا ينسخ به. نقل الواحدي عن المفسرين أن بني النضير لما اجلوا عن أوطانهم وتركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله ﷺ أن يخمسها كما فعل بغنائم بدر، فأنزل هذه الآية. وفي رواية محيي السنة: كما فعل بغنائم خبير، ويبعد من حيث النظم والتأليف أن يقال: إن قوله: ﴿ومَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ﴾ عطف على ما في الأنفال، ليكون خمسه أيضًا مخمسًا، وأدنى ما يبطله: الضمير في ﴿مِنْهُمْ﴾، لأنه راجع إلى ما ترجع إليه الضمائر في الآيات وهي لبني النضير، وما في الأنفال في قضية أخرى، بل الجملة- أعني ﴿ومَا أَفَاءَ اللَّهُ﴾ - عطف على مثلها، أي: ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ﴾، وجملة قوله: ﴿ومَا أَفَاءَ اللَّهُ﴾ بيان للجملة السابقة كما ذهب إليه المصنف، ولهذا عزلت عن العاطف، كأنه لما قيل: ﴿ومَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ أي: ما خول الله ورسوله من أموال بني النضير شيء لم يحصلوه بالقتال والغلبة، فلا يقسم قسمة الغنائم، قيل: فكيف يقسم؟ فقيل: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى﴾ إلى آخره أن ذلك العطف أيضًا لا يجدي فيما ذكر، لأن حكم تلك الآية ثابت قبل هذه.
وأقصى ما يقال من جانب الشافعي رحمه الله تعالى أن "ما أفاء الله" الأول إخبار من الله تعالى لا جواب عن قول الصحابة، والثاني: بيان له لكنه مطلق مبهم، وما في الأنفال مقيد بقوله: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ فيحمل عليه، وما ذكره المفسرون ليس يثبت.
فإن قلت: فما فائدة هذا الإخبار؟
قلت: نفي ما نسخ في خواطر المسلمين أنهم سعوا في تحصيل تلك الأموال بالقتال، كما قال في "التفسير الكبير": إن أموال بني النضير أخذت بعد القتال، لأنهم حوصروا أيامًا وقاتلوا وقتلوا ثم صالحوا على الجلاء، وفي كلام المصنف في أول السورة إشعار بذلك.


الصفحة التالية
Icon