قَرِيبًا ذَاقُوا وبَالَ أَمْرِهِمْ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قَالَ لِلإنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} ١٣ - ١٧]
﴿رَهْبَةً﴾ مصدر "رهب" المبني للمفعول، كأنه قيل: أشد مرهوبية. وقوله: ﴿فِي صُدُورِهِم﴾ دلالة على نفاقهم، يعني: أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله، وأنتم أهيب في صدورهم من الله.
فإن قلت: كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى تكون رهبتهم منهم أشد.
قلت: معناه أن رهبتهم في السر منكم أشد من رهبتهم من الله التي يظهرونها لكم، وكانوا يظهرون لهم رهبةً شديدةً من الله، ويجوز أن يريد أن اليهود يخافونكم في صدورهم أشد من خوفهم من الله؛ لأنهم كانوا قومًا أولي بأس ونجدة، فكانوا يتشجعون لهم مع إضمار الخيفة في صدورهم، ﴿لا يَفْقَهُونَ﴾ لا يعلمون الله وعظمته حتى يخشوه حق خشيته. ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ لا يقدرون على مقاتلتكم ﴿جَمِيعًا﴾ مجتمعين متساندين، يعني اليهود والمنافقين ﴿إِلَّا﴾ كائنين ﴿فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ﴾ بالخنادق والدروب، ﴿أَوْ مِن ورَاءِ جُدُرٍ﴾ دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿رَهْبَةً﴾: مصدر "رهب" المبني للمفعول)، الانتصاف: لأن المخاطبين مرهوب منهم لا راهبون.
قوله: (ويجوز أن يريد أن اليهود يخافونكم)، وحاصل المعنى الأول: أنهم يظهرون لكم خوف الله تعالى، مع أنهم لا يخافونه تعالى، والمعنى الثاني: أنهم يظهرون لكم أنهم لا يخافونكم، مع أنهم يخافونكم، ويخافون الله خوفًا لا يعتد به، ولذلك قال: "حتى يخشوه حق خشيته".


الصفحة التالية
Icon