فإن قلت: بم انتصب ﴿قَرِيبًا﴾؟
قلت: بـ"مثل"، على: كوجود مثل أهل بدر قريبًا ﴿ذَاقُوا وبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراغب: إنما خص الأول بـ ﴿لا يَفْقَهُونَ﴾، والثاني بـ ﴿لاَّ يَعْقِلُونَ﴾، لأن المعنى: خوفكم منكم أشد من خوفهم من الله، لأنهم يعلمون ظاهره ولا يعرفون ما استتر عليهم منه، والفقيه يستدرك من الكلام ظاهره الجلي، وغامضه الخفي، بسرعة فطنته، وجوده قريحته، فلما رهبوا من النبي ﷺ ما لم يرهبوا من الله عز وجل، صاروا كمن يعرف ما يشهده، ويجهل ما يغيب عنه، وقيل: ﴿لا يَفْقَهُونَ﴾: لا يستدركون عظمة الله ويشاهدون جلالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعلمون أن ذلك لجلال الله تعالى.
وأما قوله: ﴿لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ جاء بعد قوله: ﴿بَاسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ ومعناه: ليس يجمعهم الحق على طريقة واحدة، بل هم أتباع أهوائهم، وهم مختلفون باختلاف آرائهم، ولو عقلوا الرشد من الغي لاجتمعوا على الحق، فاختلافهم لأنهم لا يعقلون ما يدعو إلى طاعة الله، ويهدي إلى الصراط المستقيم، فالحق سبيل واحد مستقيم، والباطل سبل كثيرة يحمل عليها أهواء متشبعة، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣].
قوله: (بـ"مثل"، على: كوجود)، أي: ﴿قَرِيبًا﴾ متعلق بـ"مثل" في ﴿كَمَثَلِ﴾، على تقدير المضاف وهو العامل، أي: مثلهم كوجود مثل أهل بدر قريبًا، وذلك المثل هو: ﴿ذَاقُوا وبَالَ أَمْرِهِمْ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقال أبو البقاء: ﴿كَمَثَلِ﴾ أي: مثلهم كمثل الذين من قبلهم، و ﴿قَرِيبًا﴾ أي: استقروا من قبلهم زمنًا قريبًا، أو ذاقوا وبال أمرهم قريبًا، أي: عن قريب.


الصفحة التالية
Icon