قلت: أراد استثناء جملة قوله لأبيه، والقصد: إلى موعد الاستغفار له، وما بعده مبني عليه وتابع له، كأنه قال: أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار.
فإن قلت: بم اتصل قوله: ﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾؟
قلت: بما قبل الاستثناء، وهو من جملة الأسوة الحسنة.
ويجوز أن يكون المعنى: قولوا: ربنا، أمرًا من الله تعالى للمؤمنين بأن يقولوه، وتعليمًا منه لهم، تتميمًا لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار، والائتساء بإبراهيم وقومه في البراءة منهم، وتنبيهًا على الإنابة إلى الله والاستعاذة به من فتنة أهل الكفر، والاستغفار مما فرط منهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى: ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ [الفتح: ١١].
قوله: (أراد استثناء جملة قوله لأبيه، والقصد: إلى موعد الاستغفار)، يعني: أن الاستثناء مجموع الكلام، لكن بعضه مقصود بالذات، والبعض الآخر تابع له، فيكون: ﴿ومَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ﴾ حالًا وتتميمًا لقوله: ﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ وما عليه من بذل الوسع في الاستغفار، ومن ثم جيء بها قسمية.
قوله: (بما قبل الاستثناء)، وذلك أنهم لما خاطبوا القوم بقولهم: ﴿وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ﴾ ونبهوهم على إظهار العداوة، وقشروا لهم العصا لأجل الدين التجؤوا إلى الله تعالى من كيدهم ومكرهم، وأنابوا إليه واستعاذوا من فتنتهم، وحين بولغ في التوصية بالتأسي بهم ذكر خصلة واحدة يجب الاجتناب عنها، فأورد في خلال الكلام اهتمامًا، وبهذا ظهر وجه قول محيي السنة رحمه الله: لكم أسوة حسنة في إبراهيم وأموره إلا في استغفاره لأبيه، وهذا الاستثناء على حد قول السيد الحميري:


الصفحة التالية
Icon