فإن قلت: لو اقتصر على قوله: ﴿ولا يَعْصِينَكَ﴾ فقد علم أن رسول الله ﷺ لا يأمر إلا بمعروف؟
قلت: نبه بذلك على أن طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بغاية التوقي والاجتناب.
وروي أن رسول الله ﷺ لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه أسفل منه، يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متقنعة متنكرة خوفًا من رسول الله ﷺ أن يعرفها، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: " أبايعكن على أن لا تشركين بالله شيئًا" فرفعت هند رأسها وقالت: والله لقد عبدنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمرًا ما رأيناك أخذته على الرجال، تبايع الرجال على الإسلام والجهاد، فقال عليه الصلاة والسلام: ﴿ولا يَسْرِقْنَ﴾، فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإني أصبت من ماله هنات، فما أدري، أتحل لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (نبه بذلك على أن طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بغاية التوقي)، يعني: إذا قيد معصية الرسول ﷺ بالمعروف مع جلالة قدره وعلو منزلته، وأنه لا يأمر إلا بالمعروف، فما ظنك بطاعة غيره في المعصية؟ !
قال الزجاج: ﴿ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾، قيل: في النوح وتمزيق الثياب وخمس الوجوه ومحادثة الرجال، والجملة أن المعنى: لا يعصينك في جميع ما تأمرهن بالمعروف.
قوله: (وإنك لتأخذ علينا أمرًا ما رأيناك أخذته على الرجال)، أنكرت أمر الشرك، يعني تقول للرجال: تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون، وتقول لنا: على أن لا تشركن بالله شيئًا،


الصفحة التالية
Icon