ومعنى ﴿مَنْ أَنصَارِي﴾ من الأنصار الذين يختصون بي ويكونون معي في نصرة الله؛ ولا يصح أن يكون معناه: من ينصرني مع الله؟ ؛ لأنه لا يطابق الجواب. والدليل عليه: قراءة من قرأ: (من أنصار الله).
والحواريون أصفياؤه، وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلًا؛ وحواري الرجل: صفيه وخلصانه، من الحوار وهو البياض الخالص. والحوارى: الدرمك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: الإيذان بأن يطلب منهم هو النصرة المعتبرة، وهو اختصاصهم به وما أخبروا به عن أنفسهم، إنشاءً للنصرة بل ادعاءً منهم أنهم الذين ينصرون الله، ولذلك عقب بقوله: ﴿فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وكَفَرَت طَّائِفَةٌ﴾ وقريب منه قوله تعالى: ﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ [النور: ٥٣] فإذا اعتبر المبتدأ من جانب المسلمين قدر: الذي يطلب منكم طاعة معروفة فعلًا، وإذا اعتبر من جانب المنافقين قيل: أمركم وشأنكم معروفة قولًا.
قوله: (ولا يصح أن يكون معناه: من ينصرني مع الله) وهو قول الزجاج، لأنه لا يطابق ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾، إذ المطابق: نحن أنصار الله ننصرك مع الله، على أن "إلى" بمعنى "مع" قليل.
قوله: (قراءة من قرأ: "من أنصار الله")، ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي.
قوله: (والحوارى: الدرمك) عن بعضهم: الدرمك: نقاوة الدقيق الذي ليس فيه نخالة، ويقال: الدرهم يكسو النرمق أي: الثوب اللين، تعريب نرمك ويطعم الدرمق، قال الزجاج: الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب، وكذلك الدقيق الحوارى؛ لأنه ينقى من لباب البر وخالصه، وتأويله في الناس: أنه إذا رجع في اختياره مرةً بعد أخرى وجد نقيًا من العيوب، من حار يحور، وهو الرجوع والترجيع.