[﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ٥]
شبه اليهود في أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها، ثم أنهم غير عاملين بها ولا منتفعين بآياتها، وذلك أن فيها نعت رسول الله ﷺ والبشارة به، ولم يؤمنوا به؛ بالحمار حمل أسفارًا، أي: كتبًا كبارًا من كتب العلم، فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب. وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله، وبئس المثل، ﴿بِئْسَ﴾ مثلًا ﴿مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ وهم اليهود الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ومعنى: ﴿حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ﴾: كلفوا علمها والعمل بها، ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾ ثم لم يعملوا بها، فكأنهم لم يحملوها. وقرئ: (حملوا التوراة)، أي: حملوها في الحقيقة لفقد العمل. وقرئ: (يحمل الأسفار).
فإن قلت: (يحمل) ما محله؟ قلت: النصب على الحال، أو الجر على الوصف؛ لأن الحمار كاللئيم في قوله:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والإسناد واسطة بين الحق والخلق، وهو سلم السلامة، ومرقاة النجاة، ومفتاح النجاح، فمن رفع قدره ارتفع، ومن وضع شأنه اتضع.
قوله: (وذلك أن فيها نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، اعلم أنه تعالى لما أثبت التوحيد والنبوة، وبين في النبوة أنه ﷺ بعث إلى الأميين، واليهود لما أوردوا تلك الشبهة وهي: أنه صلوات الله عليه مبعوث إلى العرب خاصةً وهم أمة أمية، ونحن أهل كتاب، أتبعه بضرب المثل لمن تمسك بهذه الشبهة وترك الدلائل الواضحة المسطورة فيما حملوا واستحفظوه، وهي: نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبشارة به ولم يؤمنوا به، فشبههم بالحمار، حمل كتبًا وكبارًا، فهو يمشي بها ولا يدري منها ما يمر بجنبيه.
قوله: (لأن الحمار كاللئيم)، تعليل لتقدير الجر على الوصف فحسب، لأن اللئيم في البيت لا يحتمل الحال، لما ذكرنا أن الشاعر يصف نفسه بالحلم والاحتمال من كل لئيم صفته


الصفحة التالية
Icon