﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ [البقرة: ٩٥]، ومرةً بغير لفظه: ﴿ولا يَتَمَنَّوْنَهُ﴾ [الجمعة: ٧]، ثم قيل لهم: ﴿إنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ ولا تجسرون أن تتمنوه خيفة أن تؤخذوا بوبال كفركم؛ لا تفرتونه وهو ملاقيكم لا محالة ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ﴾ إلى الله فيجازيكم بما أنتم أهله من العقاب. وقرأ زيد بن علي رضي الله عنه: إنه ملاقيكم. وفي قراءة ابن مسعود: تفرون منه ملاقيكم، وهي ظاهرة. وأما التي بالفاء، فلتضمن الذي معنى الشرط، وقد جعل ﴿إنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ كلامًا برأسه في قراءة زيد، أي: أن الموت هو الشيء الذي تفرون منه، ثم استؤنف: إنه ملاقيكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الشرط غاية ما يطلبه المطيع، ولا مطلوب وراءه على ما ادعوه لأنفسهم، وهو أن لهم الدار الآخرة خالصة من دون غيرهم وجب أن يكون ما يبطل تمني الموت المؤدي إلى بطلان شرطهم أقوى ما يستعمل في بابه وأبلغه في نفي ما ينتفي شرطهم به، فكان ذلك بلفظة"لن" التي للقطع والبتات، وليس كذلك الشرط في سورة الجمعة، إذ ليس زعمهم أنهم أولياء لله من دون الناس مثل المطلوب الذي لا مطلوب وراءه وهو الدار الآخرة لأنهم يطلبون بعد ذلك إذا صح لهم هذا الوصف دار الثواب، فلما كان الشرط في هذا المكان قاصرًا عن الشرط في ذلك المكان ولم تكن الدعوى غاية المطلوب لم يحتج في نفيه وإبطاله إلى ما هو غاية في بابه.
قلت: ويعضده تخصيص العشرة المبشرة بالجنة من الجم الغفير من بين الصحابة الكرام.
قوله: (وأما التي بالفاء)، أي: القراءة التي أتى بالفاء في ﴿فَإنَّهُ مُلاقِيكُمْ﴾، فلتضمن ﴿الَّذي﴾ معنى الشرط.
قال أبو البقاء: دخلت في الفاء لما في"الذي من شبه الشرط، ومنع منه قوم وقالوا: إنما يجوز ذلك إذا كان"الذي" هو المبتدأ، أو اسم إن، و ﴿الَّذي﴾ ها هنا صفة، وضعفوه من وجه آخر وهو: أن الفرار من الموت لا ينجي منه فلم يشبه الشرط، وقال هؤلاء: الفاء زائدة، وأجيب