والله يشهد إنهم لكاذبون في قولهم: نشهد؛ وادعائهم فيه المواطأة.
أو إنهم لكاذبون فيه؛ لأنه إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة؛ فهم كاذبون في تسميته شهادة. أو أراد: والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم: ﴿إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه.
فإن قلت: أي فائدة في قوله تعالى: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبيانه: أن هذا التكذيب إما راجع إلى دعواهم، لا إلى كون المخاطب شاكًا في كونهم كاذبين، أو منكرًا، أي: أنهم ادعوا أن قوله: ﴿إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ صادر عن صميم القلب، حيث صدروا الجملة بـ"إن" وأدخلوا في الخبر اللام، كأنهم قالوا: نشهد عن صميم القلب إنك لرسول الله، فلما لم يكن ذلك مطابقًا للواقع كذبهم، يدل عليه قوله: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ﴾ أن الأمر كما يدل عليه قولهم، أي: مطابقًا للواقع وإن لم يعتقدوه. وإما إلى لفظ ﴿يَشْهَدُ﴾ وإبراز الدعوى وتخصيصها وتسميتها به، لأن حقيقة الشهادة: ما يصدر عن طمأنينة قلب وعلم ثابت، قال تعالى: ﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ [يوسف: ٨١].
قال القاضي: الشهادة: إخبار عن علم من الشهود، وهو الحضور والاطلاع.
الراغب: الشهادة المتعارفة أصلها الحضور بالقلب والتبيين، ثم يقال ذلك إذا عبر عنه باللسان، ولذلك متى أطلق لفظ الشهادة على ما يظهر من اللسان دون حضوره في القلب عد كذبًا. وإما راجع إلى مطابقة اعتقادهم؛ فإنهم اعتقدوا أن رسول الله ﷺ ليس برسول، فاعتقدوا أن ما قالوه على خلاف ما عليه حال المخبر عنه، فأخبر الله تعالى عن معتقدهم، هذا هو الكلام النفسي. قال بعض أصحابنا: وجه الاستدلال بالآية أنه تعالى شهد بكذب المنافقين، وما كذبوا فيما نطقوا به وجرى على ألسنتهم من قولهم: ﴿إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾، فدل على أنهم كذبوا فيما اشتملت عليه نفوسهم، وتكلمت به قلوبهم، وقد سماه الله تعالى كذبًا، والكذب لا يكون إلا في الكلام.