﴿مِنْ﴾ في ﴿مِن مَّا رَزَقْنَاكُم﴾ للتبعيض، والمراد: الإنفاق الواجب، ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَاتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ من قبل أن يرى دلائل الموت، ويعاين ما ييأس معه من الإمهال ويضيق به الخناق، ويتعذر عليه الإنفاق، ويفوت وقت القبول فيتحسر على المنع، ويعض أنامله على فقد ما كان متمكنا منه. وعن ابن عباس رضي الله عنه: تصدقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت، قلا تقبل توبة، ولا ينفع عمل. وعنه: ما يمنع أحدكم إذا كان له مال أن يزكي، وإذا أطاق الحج أن يحج من قبل أن يأتيه الموت، فيسأل ربه الكرة فلا يعطاها. وعنه: أنها نزلت في مانعي الزكاة، ووالله لو رأى خيرًا لما سأل الرجعة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي تخصيص ذكر ﴿الخَاسِرُونَ﴾ إنما إلى أن ذلك الإيثار في معنى الاستبدال، الذي هو بمنزلة البيع والشراء، ثم في التعريف الجنسي في ﴿الخَاسِرُونَ﴾ وتوسيط ضمير الفصل بينه وبين المبتدأ إشعار بأن الكاملين في الخسارة هؤلاء، وأن خسارهم فوق كل خسران، حيث باعوا العظيم الباقي، بالحقير الفاني، وإن ربحوا في تجارتهم الظاهرة، ودخل في هذا العموم وعيد كل من ذهل عن الجهاد في سبيل الله، وشغل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن طلب العلم، وعن النصيحة للمسلمين، بسبب مراعاة شأن الأموال والأولاد.
وأما بيان النظم، فإن المنافقين لما نهوا عن الإنفاق على من عند رسول الله، وأريد الحث على الإنفاق بقوله: ﴿وأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَاتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ رغمًا لأنوفهم، وتحريًا لما هو الأصوب والأصلح، وجعل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ﴾ تمهيدًا وتوطئة للأمر بالإنفاق وعم العلة والحكم، والله أعلم.
قوله: (ويضيق به الخناق)، كناية عن اللزوم وعدم الإمهال. والأساس: ومن المجاز: أخذ منه بالمخنق: إذا لزه وضيق عليه.