وهو أن يغبن بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء، وفيه تهكم بالأشقياء؛ لأن نزولهم ليس بغبن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفيه تهكم بالأشقياء) يعني: صح أن يقال باعتبار السعداء: ﴿يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾؛ لأنهم يغبنون الأشقياء بنزولهم في منازلهم من الجنة لو كانوا سعداء، ولكن لا يستقيم باعتبار الأشقياء؛ ذلك لأنهم لا يغبنون السعداء بنزولهم ي منازلهم من النار، إلا بالاستعارة التهكمية، وهو المراد من قوله: "لأن نزولهم لي بغبن".
وجعل الواحدي التغابن من طرف واحد للمبالغة حيث قال: ﴿يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾: يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، وأهل الإيمان أهل الكفر، ولا غبن أبين من هذا، هؤلاء يدخلون الجنة وهؤلاء يدخلون النار.
في أهله ومنازله في الجنة، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان. وعليه قول الراغب: ﴿يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾:

يوم القيامة، لظهور الغبن في المبايعة إلى آخره، كما مر آنفًا.
فالمبايعة من الشخص ونفسه، وكذا المغابنة على سبيل التجريد كما في قوله تعالى: "وما يخادعون إلا أنفسهم" في وجه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: ٢١]، وما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل عن جابر أن النبي ﷺ قال: "يا كعب بن عجرة، الناس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها".


الصفحة التالية
Icon