﴿فِي جَنَّاتٍ ونَعِيمٍ﴾ في أية جنات وأي نعيم! ! بمعنى الكمال في الصفة. أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين، خلقت لهم خاصة. وقرئ: ﴿فَاكِهِينَ﴾ و (فكهين) و (فاكهون)؛ من نصبه حالًا جعل الظرف مستقرًا، ومن رفعه خبرًا جعل الظرف لغوًا، أي: متلذذين ﴿بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾.
فإن قلت: علام عطف قوله: ﴿ووَقَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾؟
قلت: على قوله: ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾، أو على ﴿آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ على أن تجعل (ما) مصدرية؛ والمعنى: فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم. ويجوز أن تكون الواو للحال و"قد" بعدها مضمرة. يقال لهم: ﴿كُلُوا واشْرَبُوا﴾ أكلًا وشربًا ﴿هَنِيئًا﴾ أو طعامًا وشرابًا هنيئًا، وهو الذي لا تنغيص فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَعْمَلُونَ} لأن قوله: ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ﴾ دل على تناهي العذاب، وأنه بلغ إلى أن الصبر والجزع لا ينفعان البتة. كقوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦] فإنه دل على تصميمهم على الكفر، وعدم ارعوائهم.
قوله: (جعل الظرف مستقرًا)، يعني: ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ خبر لـ ﴿إِنَّ﴾، و ﴿فَاكِهِينَ﴾ حال من ضمير الاستقرار، إذا قرئ منصوبًا، وإذا قرئ مرفوعًا كان هو الخبر، و ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ متعلق به، فالظرف لغو.
قوله: (على أن تجعل "ما" مصدرية)، أي: إذا عطف ﴿ووَقَاهُمْ﴾ على ﴿آتَاهُمْ﴾ لا يجوز أن تكون ما موصولة، لفقدان العائد من الجملة المعطوفة، إذ التقدير: فاكهين بالذي آتاهم الله إياه، وبالذي وقاهم ربهم عذاب الجحيم، وليس في الجملة الثانية عائد إلى الموصول؛ لأن "وقاهم" أخذ كلا مفعوليه، بخلاف ﴿آتَاهُمْ﴾.


الصفحة التالية
Icon