فإن قلت: هلا قيل: فلما نبأت به بعضهن، وعرفها بعضه؟
قلت: ليس الغرض بيان من المذاع إليه ومن المعرف، وإنما هو ذكر جناية حفصة في وجود الإنباء به وإفشائه من قبلها، وأن رسول الله ﷺ بكرمه وحلمه، لم يوجد منه إلا الإعلام ببعضه، وهو حديث الإمامة. ألا ترى أنه لما كان المقصود في قوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا﴾ ذكر المنبأ، كيف أتى بضميره؟ !
[﴿إن تَتُوبَا إلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وإن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وجِبْرِيلُ وصَالِحُ المُؤْمِنِينَ والْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ ٤]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت هذا الكلام لرسول الله ﷺ لأجل الفرج، لأن مقام العتاب الذي يترشح من قوله: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ أي: جازى عليه، من قولك للمسيء: لأعرفن لك، يأبى ذلك، بل هو تعليل أو تمييز لقولها: "ما ملكت نفسي فرجًا"، وكان القياس أن يقال: خص الله بها أبي، ولعل الراوي نقل المعنى لا لفظها، أو التفتت.
قوله: (هلا قيل: فلما نبأت به بعضهن)، يعني: كان القياس أن يقال: "نبأت به بعضهن" بدل ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ لأن حفصة نبأت بالحديث الذي أسرها النبي ﷺ بعض أزواجه، يعني: عائشة، وأن يقال: عرفها بعضه، لأنه عرف رسول الله ﷺ بعض الحديث لحفصة، وهو حديث الإمامة.
وأجاب أن سياق الكلام ليس في شأن المذاع إليه، أي: عائشة رضي الله عنها، وفي شأن المعروف، أي: حفصة رضي الله عنهما ليذكرهما، بل في معاتبة النبي ﷺ وابتغائه مرضات أزواجه، وفي شأن جناية حفصة، ثم في حكم النبي ﷺ وإعراضه عن بعض جنايتها، فلما دل قوله ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ على الجناية، وقوله: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ على الإعراض عن البعض، أتى بهما وترك ذكرهما. ويعضده إتيان ضمير المنبأ به في قوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ مع الاستغناء عنه بقرينة الأحوال لأنه هو المقصود في الذكر.