قلت: مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله، فكأنه فضل نصرته تعالى بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته تعالى، لفضلهم على جميع خلقه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما تعليله بقوله: "لفضلهم على جميع خلقه" فلا وجه له، لأنه لا يخلو إما أن يكون"جبريل وصالح لمؤمنين" عطفًا على معنى الابتداء، أي: على موضع إن واسمها، أو أن يكون مبتدًا و"الملائكة" معطوفًا عليه، و ﴿ظَهِيرٌ﴾ خبر الجميع، وهو واحد في معنى الجمع ذكره أبو البقاء، فيلزم من الأول إما نقص معنى الحصر الذي يفيده تعريف الخبر وتوسيطه ضمير الفصل، لأنه لا يقال: زيد هو المنطلق وعمرو، بل يقال: لا غير، نص عليه صاحب"المفتاح".
وأما هدم قاعدته: فإنه قال: "وجبريل رأس الكروبيين، وقرن ذكره مفردًا له من الملائكة تعظيمًا له"، لأن اعتبار التعظيم حينئذ من اقتران المعطوف بالمعطوف عليه، والتخصيص بالذكر، فيكون صالح المؤمنين دون جبريل، والملائكة دونهم، ونحوه في وجه قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: ٤١] قال: "من حق الخمس أن يكون متقربًا به إليه، ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة تفضيلًا لها على غيرها"، وعليه مذهب مالك والأصولي والنحوي، إن قالا بعد الترتيب، لكن صاحب المعاني يراعي النظم والتقديم، ألا ترى كيف سأل المصنف في سورة يوسف: "لم أخر الشمس والقمر؟ "فظهر من هذا الترتيب مراتب المذكورين على ما عليه مذهب أهل السنة. هذا وإن الوجه هو أن يكون"جبريل" مبتدأ، والخبر ﴿ظَهِيرٌ﴾، و"صالح المؤمنين والملائكة" عطف عليه، وأن يقال: إنما عدل من عطف المفرد إلى عطف الجملة ليؤذن بالفرق، وأن نصرة الله هي النصرة في الحقيقة، وأنه تعالى إنما ضم إليها المظاهرة بجبريل وبصالح المؤمنين والملائكة للتتميم، تطييبًا لقلوب المؤمنين، وتوقيرًا لجانب الرسول، وإظهارًا للآيات البينات كما في يوم بدر وحنين، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ


الصفحة التالية
Icon