أو من نفس فرعون الخبيثة وسلطانه الغشوم، وخصوصا من عمله وهو: الكفر، وعبادة الأصنام، والظلم، والتعذيب بغير جرم، ﴿ونَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ ونَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ من القبط كلهم. وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين، ﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وبَيْنَهُمْ فَتْحًا ونَجِّنِي ومَن مَّعِيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ١١٨]، ﴿رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ﴾ [يونس: ٨٦].
﴿ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وكُتُبِهِ وكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ﴾ ١٢].
﴿فِيهِ﴾ في الفرج. وقرأ ابن مسعود: (فيها)، كما قرئ في سورة الأنبياء، والضمير للجملة، وقد مر لي في هذا الظرف كلام. ومن بدع التفاسير أن الفرج هو جيب الدرع، ومعنى (أَحْصَنَتْه): منعته جبريل، وأنه جمع في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وخصوصًا من عمله)، يريد أن قوله: ﴿مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾ يجوز أن يكون من باب: أعجبني زيد وكرمه، ويجوز أن يراد: ونجني من نفس فرعون الخبيثة، ثم قيل خصوصًا: "من عمله"، وهو قريب من عطف الخاص على العام، وفيه: أن ذاته الخبيثة معدن كل شرً، وما ظهر منه من الكفر وعبادة الأصنام والظلم نعتان منه، وهذا أبلغ.
قوله: (وقد مر لي في هذا الظرف كلام) أي: في سورة الأنبياء، وذلك أن قوله: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ [الأنبياء: ٩١] يدل على إحياء مريم، والمراد إحياء عيسى عليه السلام منها، والتقدير: ونفخنا الروح في عيسى منها، أي: أحييناه منها.
قوله: (ومعنى "أحصنته": منعته جبريل)، عطف على "أن الفرج"، وكذا قوله: "وأنه جمع في التمثيل" عطف عليه، والمعنى بالمنع قولها: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٨]. وعن الواحدي رحمه الله تعالى: ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾: حفظت فرجها ومنعتها عما