قلت: من حيث إنه تضمن معنى العلم، فكأنه قيل: ليعلمكم أيكم أحسن عملا؛ وإذا قلت: علمته أزيد أحسن عملا أم هو؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه، كما تقول: علمته هو أحسن عملا.
فإن قلت: أتسمي هذا تعليقا؟
قلت لا، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسد مسد المفعولين جميعا، كقولك: علمت أيهما عمرو، وعلمت أزيد منطلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى آخره، معنى "استعار"، لأن الاستعارة تسمية الشيء باسم ما شبه أو شبه به، أي استعار لعلم الله المتعلق بأفعال المكلف، لفظ الابتلاء المعني به الخبرة، بعد سبق تشبيه حال المكلف المختار الممكن من فعل الطاعة والمعصية مع تعلق علم الله تعالى بأفعاله، بحال المختبر مع المختبر، ثم استعير لعلم الله الخاص ما استعمل في المشبه به من لفظ "يبلوكم"، فهي استعارة تبعية واقعة في طريق التمثيل. مثلها في قول صاحب "المفتاح": شبه حال المكلف الممكن من فعل الطاعة والمعصية مع الإرادة منه أن يطيع، بحال المرتجي المخير بين أن يفعل وأن لا يفعل، ثم استعير لجانب المشبه"لعل"، جاعلًا قرينة الاستعارة علم العالم"؛ ف"لعل" مستعار للإرادة على مذهبه، كما أن ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ مستعار للعلم الخاص فيما نحن بصدده؛ فقوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾، متعلق بـ ﴿خَلَقَ﴾، أي: خلق الموت ليكون جوازًا إلى دار الجزاء، وخلق الحياة لتكون ذريعة إلى فعل ما يترتب عليه الجزاء في تلك الدار، فمن أطاع وشكر أثابه، ومن كفر وعصى عاقبه.
قوله: (لا، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسد مسد المفعولين)، قيل: إن قولنا: علمت أزيد منطلق، تعليق للفعل عن العمل، ومن شرط التعليق أن لا يذكر شيء من المفعولين، إذ


الصفحة التالية
Icon