وقدم الموت على الحياة، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل، من نصب موته بين عينيه، فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم ﴿وهُوَ العَزِيزُ﴾: الغالب الذي يعجزه من أساء العمل ﴿الغَفُورُ﴾ لمن تاب من أهل الإساءة. ﴿طِبَاقًا﴾: مطابقة بعضها فوق بعض، من طابق النعل: إذا خصفها طبقا عن طبق، وهذا وصف بالمصدر،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم)، "فيما يرجع" متعلق بـ"أهم".
والظاهر أن قوله: "فقدم"، قد عطف على "قدم الموت على الحياة" على سبيل التعقيب، نحو: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]، يعني: المراد من قوله ﴿خَلَقَ المَوْتَ والْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك: ٢]، أنه أعطاكم الحياة... إلى آخره، وقدم الموت على الحياة، لأن الموت أقوى الدواعي إلى العمل، فقدم ليتبين أن الذي سيق له الآية، البعث على العمل، والإخلاص فيه، وتحري الصواب له.
ولعمري، إن من جعل الموت نصب عينيه، زهد في الدنيا ولذاتها، ورغب في الآخرة وأناب إلى الجنة ونعيمها؛ روينا عن الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء"، قلنا: إنا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله، قال: "ليس ذلك! ولكن الاستحياء من الله تعالى حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى؛ فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".
قوله: (وهذا وصف بالمصدر)، قيل: هو مشكل، لأنه لو كان صفة لكان مجرورًا صفة للمضاف إليه، أي: سبع سموات طباقًا، كما في قوله: ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ﴾ [يوسف: ٤٣]، لأن الصفة في الأعداد تكون للمضاف إليه، ولو قيل: هو حال لكان وجهًا، لأن ﴿سَبْعَ سَمَوَاتٍ﴾ معرفة لشمولها كلها، وهو قريب مما ذكر في قوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ