أن لا يحيط علما بالمضمر والمسر والمجهر.
﴿مَنْ خَلَقَ﴾ الأشياء، وحاله أنه ﴿اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾، المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن. ويجوز أن يكون ﴿مَنْ خَلَقَ﴾ منصوبا بمعنى: ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله؟
وروي أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء، فيظهر الله رسوله عليها، فيقولون: أسروا قولكم لئلا يسمعه إله محمد فنبه الله على جهلهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عالم بالسر والجهر وبكل ما في الصدور، قال بعده: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾. وهذا الكلام إنما يتصل بما قبله لو كان تعالى خالقًا لكل ما يفعلونه في السر والجهر، وفي القلوب وفي الصدور، فإنه لو لم يكن خالقًا لها، لم يكن قوله: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ مقتضيًا كونه تعالى عالمًا بتلك الأشياء.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ الأجسام، فيلزم منه أن يكون عالمًا بهذه الأشياء؟ قلنا: إنه لا يلزم من كونه خالقًا لغير هذه الأشياء، كونه عالمًا بها، لأن من يكون فاعلًا بشيء لا يجب أن يكون عالمًا بشيء آخر، نعم يلزم من كونه خالقًا لها كونه عالمًا بها، لأن خالق الشيء يجب أن يكون عالمًا به".
وقلت: إنما يلزم ذلك إن لم يقيد ﴿خَلَقَ﴾ بقوله: ﴿وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾، فالمعنى: خلق الأجسام وهو عالم بأحوالها ما ظهر منها وما بطن، وإليه أشار المصنف بقوله: "المتصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن".
والحق أن قوله: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ الآية: كما سبق، تذييل، ومن حقه أن يكون أعم من المذبل به وأشمل منه، فيدخل فيه دخولًا أوليًا، وحينئذ يجب أن يقال: ألا يعلم من خلق الأشياء كما قدره المصنف، لكن نخالف مذهبه على قرره الإمام أولًا.
قوله: (ويجوز أن يكون ﴿مَنْ خَلَقَ﴾) عطف على قوله: "من خلق الأشياء"، ف"من" على الأول: عبارة عن الفاعل، وعلى الثاني: عن المفعول به.


الصفحة التالية
Icon