فإن المقتول على أيدينا هالك؟ أو أن أهلكنا الله في الآخرة بذنوبنا ونحن مسلمون، فمن يجير الكافرين وهم أولى بالهلاك لكفرهم؛ وإن رحمنا بالإيمان فمن يجير من لا إيمان له؟
[﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ ٢٩].
فإن قلت: لم أخر مفعول ﴿آمَنَّا﴾ وقدم مفعول ﴿تَوَكَّلْنَا﴾؟
قلت: لوقوع ﴿آمَنَّا﴾ تعريضا بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم، كأنه قيل: آمنا ولم نكفر كما كفرتم، ثم قال: ﴿وعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ خصوصا، لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا، فلمًا أضاءت ما حوله، جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار تقع فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها". الاقتحام في الشيء: إلقاء النفس فيه برغبة، والحجز جمع حجزة، وهي معقد الإزار، وحجزة السروايل معروفة.
قوله: (لوقوع ﴿آمَنَّا﴾ تعريضًا بالكافرين)، يعني: كان من حق الظاهر أن يقال: فمن يجيركم، لأن الشرط ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ﴾، فعدل إلى المظهر إشعاراً بأن الكفر هو سبب الهلاك، وأن الإيمان هو الوسيلة في النجاة، ثم جيء بقوله: ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ﴾ جوابًا عن قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ ومَن مَّعِيَ﴾ على سبيل التبكيت، أي: هو الرحمن يجيرنا لأنا آمنا به ولم نكفر كما كفرتم. ولما لم يكن المقصود في الإبراد نفي الشرك وإثبات التوحيد، لأن الكلام في الإهلاك والإنجاء، جيء بقوله: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ على ظاهره.


الصفحة التالية
Icon