وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهي.
﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾: مجاوزون الحد في العناد مع ظهور الحق لهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: ننتظر به نوائب الزمان، فيهلك كما هلك امرؤ القيس وعنترة، وزهيرهم وغيرهم، فأضرب الله تعالى عن جميع ذلك بقوله: ﴿أَمْ تَامُرُهُمْ أَحْلامُهُم﴾ فنسبهم إلى السفه والجهل، والقول بالتناقض، ثم ترقى إلى قوله: ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أي: ليسوا بجاهلين، أي أنهم أرباب النهى والأحلام، بل طغيانهم ومجاوزتهم الحد في العناد هو الذي حملهم على ذلك القول بالتناقض.
وأما قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ فهو متصل بقوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ﴾ أي ليس بكاهن ولا شاعر، بل هو مفتر على الله، مختلق من تلقاء نفسه، فرد بما يناسبه من قوله: ﴿بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ لأنه أجمع من نسبتهم إلى السفه والطغيان، أي أنهم ممن حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون البتة، وهم من الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة، ثم بنى الكلام على نسبتهم الافتراء والتقول إليه، دفعًا للتهمة وإزالة للشبهة، وقال: ﴿فَلْيَاتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إن كَانُوا صَادِقِينَ﴾ في أنه تقول وافتراء.
ولما فرغ من ذلك النوع من الإضرابات، وهو طعنهم في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، عقبه بنوع آخر منها، وهو ما اشتمل على الرد فيما لزم منه الطعن في جلال الله وعلو كبريائه، من إثبات الشريك واتخاذ الولد، وترك الناس سدى، والطعن في رسله وهو قوله: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ﴾ إلى آخره، مزيدًا للتسلي والتثبيت لرسوله صلى الله عليه وسلم، يعني: كما طعنوا فيك طعنوا في خالقهم، ألا ترى كيف ختم السورة بقوله: ﴿واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾؟ !
قوله: (وكانت قريش يدعون أهل الأحلام)، روي عن الجاحظ أنه قال: لا يكمل عقل الإنسان إلا بالمسافرة والمخالطة وزيارة البلاد المختلفة، ومصاحبة الأخلاق المتباينة، وقريش