أو التي تحق فيها الأمور، أي: تعرف على الحقيقة، من قولك: لا أحق هذا، أي: لا أعرف حقيقته. جعل الفعل لها وهو لأهلها، وارتفاعها على الابتداء، وخبرها ﴿مَا الحَاقَّةُ﴾ والأصل: الحاقة ما هي؟ تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها، فوضع الظاهر موضع المضمر؛ لأنه أهول لها، ﴿ومَا أَدْرَاكَ﴾ وأي شيء أعلمك ما الحاقة؟
يعني: أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها، على أنه من العظم والشدة بحيث لا يبلغه دراية أحد ولا همه، وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك ﴿مَا﴾ في موضع الرفع على الابتداء، و ﴿أَدْرَاكَ﴾ معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام.
"القارعة": التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار، ووضعت موضع الضمير ليدل على معنى القرع في ﴿الْحَاقَّةُ﴾، زيادة في وصف شدتها؛ ولما ذكرها وفخمها، اتبع ذكر ذلك من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحق، بالكسر: ثبت. أو من قولهم: حققته أحقه، أي: عرفت حقيقته.
أما على الأول، فإما أن يقال: سميت حاقة، لأنها ثابتة الوقوع واجبة المجيء. أو هو على تقدير حذف المضاف، أي: ذو الحاقة، لأن فيها الأمور الحواق من الحساب والثواب والعقاب. وأما على الثاني، فالقيامة سميت حاقة، بمعنى عارفة للأمور على المجاز، لأن الخلائق فيها تعرف الأمور، فجعل الفعل للقيامة وهو لأهلها.
قال الواحدي: " ﴿الحَاقَّةُ﴾: القيامة، في قول جميع المفسرين. وسميت بذلك، لأنها ذات الحواق من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع".
قوله: (ووضعت موضع الضمير)، أي: "القارعة" مظهر وضع موضع المضمر من غير


الصفحة التالية
Icon