﴿حمَلْنَاكُمْ﴾ حملنا آباءكم ﴿فِي الجَارِيَةِ﴾ في سفينة نوح؛ لأنهم إذا كانوا من نسل المحمولين الناجين، كان حمل آبائهم منة عليهم، وكأنهم هم المحمولون، لأن نجاتهم سبب ولادتهم ﴿لِنَجْعَلَهَا﴾ الضمير للفعلة، وهي نجاة المؤمنين وإغراق الكفرة ﴿تَذْكِرَةً﴾ عظة وعبرة. ﴿أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾ من شأنها أن تعي وتحفظ ما سمعت به ولا تضيعه بترك العمل، وكل ما حفظته في نفسك فقد وعيته، وما حفظته في غير نفسك فقد أوعيته، كقولك: أوعيت الشيء في الظرف.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لعلي رضي الله عنه عند نزول هذه الآية: "سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي" قال علي رضي الله عنه: فما نسيت شيئا بعد، وما كان لي أن أنسى.
فإن قلت: لم قيل: ﴿أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾ على التوحيد والتنكير؟
قلت: للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم؛ وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله، فهي السواد الأعظم عند الله، وأن ما سواها لا يبالي بهم بالة وإن ملؤوا ما بين الخافقين.
وقرئ: "وتعيها" بسكون العين للتخفيف؛ شبه "تعي" بـ"كبد".
[﴿فَإذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ * وحُمِلَتِ الأَرْضُ والْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً واحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وقَعَتِ الوَاقِعَةُ * وانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ * والْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ ١٣ - ١٨].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وما كان لي أن أنسى)، أي: ولا يمكنني ولا ينبغي أن أنسى وإن تكلفت ذلك.
قوله: (لا يبالي بهم بالة)، الجوهري: "الأصل: بالية، مثل: عافاه عافية؛ حذفوا الياء منها بناء على قولهم: لم أبل، وليس من باب الطاعة والطاقة". وقلت: لعله يعرض بأهل السنة المسلمين بالسواد الأعظم، كما طعن فيهم عند قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة: ١٠٠].


الصفحة التالية
Icon