ومعنى ﴿ثُمَّ﴾ الدلالة على تفاوت ما بين الفل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة. ﴿إنَّهُ﴾ تعليل على طريق الاستئناف، وهو أبلغ؛ كأنه قيل: ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بذلك.
وفي قوله: ﴿ولا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ﴾ دليلان على قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين، أحدهما: عطفه على الكفر، وجعله قرينة له، والثاني: ذكر الحض دون الفعل، ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل؟ ! وما أحسن قول القائل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أحدهما: عطفه على الكفر وجعله قرينة له) نحو قوله: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران: ١٨١]، جعل ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ﴾ قرينة لقوهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾، إيذانًا بأنهما في العظم أخوان، وأنه ليس بأول ما ركبوا من العظائم. كذا جعل ترك الحض على طعام المسكين من صفات الكفار، فعلى المؤمن أن يجتنب منه. قال القاضي: "وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع، ولعل تخصيص الأمرين بالذكر، لأن أقبح العقائد الكفر بالله، وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب".
قوله: (ذكر الحض دون الفعل)، الراغب: "الحض: التحريض كالحث، إلا أن الحث يكون بسير وسوق، والحض لا يكون بذلك. وأصله من الحث على الحضيض، وهو قرار الأرض".