قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبًا، لأنه عرفه، يعني: أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه، ولم يشك في أن ما رآه حق، وقرئ: (ما كذب) أي صدقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته.
﴿أَفَتُمَارُونَهُ﴾ من المراء وهو الملاحاة والمجادلة، واشتقاقه من مري الناقة، كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه، وقرئ: (أفتمرونه) أفتغلبونه في المراء، من ماريته فمريته. ولما فيه من معنى الغلبة عدي ب"على"، كما تقول: غلبته على كذا: وقيل: (أفتمرونه): أفتجحدونه. وأنشدوا:
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة.... لقد مريت أخا ما كان يمريكا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال السلمي: ﴿مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى﴾: البصر، وهو مشاهدة ربه كفاحًا ببصره وقلبه.
وقال ابن عطاء: ما اعتقد القلب خلاف ما رأته العين، وليس كل من رأى شيئًا مكن فؤاده من إدراكه، إذ العيان قد يظهر فيضطرب السر عن حمل الوارد عليه، والرسول ﷺ محمول فيها فؤاده وعقله وحسه ونظره، وهذا يدل على صدق طويته وحمله فيما شوهد به.
قوله: (وقرئ: "ما كذب") قرأها هشام، والباقون: بتخفيفها.
قوله: (من مري الناقة) مريت الناقة مريًا: إذا مسحت ضرعها لتدر، وأمرت الناقة، إذا: در لبنها.
قوله: (وقرئ: ("أفتمرونه") حمزة والكسائي، والباقون: ﴿أَفَتُمَارُونَهُ﴾.
قوله: (لئن هجرت أخا صدق) البيت، يقول: لئن هجرتني، وأنا ذو صدق ومكرمة، لقد جحدت حق أخ وفي ما كان يجحد حقك. ؟


الصفحة التالية
Icon