و"العزى" كانت لغطفان وهي سمرة، وأصلها تأنيث الأعز. وبعث إليها رسول الله ﷺ خالد بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها، داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها، فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك.... إني رأيت الله أهانك
ورجع فأخبر رسول الله ﷺ فقال عليه الصلاة والسلام: " تلك العزى ولن تعبد أبدًا".
ومناة: صخرة كانت لهذيل وخزاعة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لثقيف. وقرئ: (ومناءة) وكأنها سميت مناة؛ لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها، أي: تراق، ومناءة، مفعلة من النوء، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها.
و﴿الأُخْرَى﴾ ذم، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٩] أي: وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (و ﴿الأُخْرَى﴾ ذم وهي) إلى آخره، الانتصاف: "أخرى": تأنيث "آخر"؛ أفعل، ولا شك أنه في الأصل من التأخر الوجودي، إلا أن العرب عدلت به عن التأخر الوجودي، إلى استعماله حيث يذكر مغايرًا لما تقدم لا غير، وسلبت دلالتها عن المعنى الأصلي، بخلاف آخر وآخرة، فإشعارهما بالتقدم الوجودي ثابت، ومن ثم قالوا: ربيع الآخر، جمادة الآخرة، بكسر الخاء ليدل على التأخير الوجودي، وهذا البحث حرره ابن الحاجب، وهو الحق، فحينئذ يكون الإشعار يتغاير في الذكر مع مراعاة الفواصل.
الإنصاف: إنما حمل الزمخشري على القول الأول قوله إنه رأى "أخرى" إذا كانت تأنيث "آخر" _بفتح الخاء_ يستدعي مشاركة "ما"، فجعلت قرينة لها في الوصف المذكور لما سبقه، وها هنا مناة ثالثة، وليست اللات والعزى موصوفين بكون كل واحد منهما ثالثة، فامتنع أن يقال الأخرى بهذا المعنى، فلذلك عدل الزمخشري.