أن الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان أسرع فيه الشيب، قال أبو الطيب:

والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم
وقد مر بى في بعض الكتب أن رجلاً أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب، وأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة، فقال: أريت القيامة والجنة والنار في المنام، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار، فمن هول ذلك أصبحت كما ترون. ويجوز أن يوصف اليوم بالطول، وإن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب. (السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ) وصف لليوم بالشدة أيضا، وإن السماء على عظمها وإحكامها تنفطر فيه، فما ظنك بغيرها من الخلائق؟ وقرئ: «منفطر ومتفطر»، والمعنى: ذات انفطار، أو على تأويل: «السماء» بالسقف، أو: السماء شيء منفطر، والباء في «بِهِ» مثلها في قولك: فطرت العود بالقدوم فانفطر به، يعني: أنها تنفطر بشدة ذلك اليوم وهو له، كما ينفطر الشيء بما يفطر به. ويجوز أن يراد: السماء مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمه عليها وخشيتها من وقوعه، كقوله: (ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ) [الأعراف: ١٨٧]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كالثَّغامة)، الجوهري: "الثَّغام، بالفتح: نبت يكون في الجبل يبيض إذا يَبِس، يشبَّه به الشَّيب، الواحدة: ثَغامة".
قوله: (ويجوز أن يوصف اليوم بالطول)، يعني: يكون قوله: ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾، كناية عن طول اليوم.
قوله: (والمعنى: ذات انفطار)، قال أبو البقاء: "مُنفطر، بغير تاء، على النَّسب، أي: ذات انفطار، وقد ذُكر حملاً على معنى السقف، وقيل: السماء تُذكر وتُؤنث".
قوله: (ويجوز أن يُراد: السماء مُثقلة به)، أي: جعل كون السماء مُثقلة، لِعظم اليوم عليها


الصفحة التالية
Icon