إلا أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط، وذلك شاق عليكم بالغ منكم. (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدر، كقوله: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ وعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) [البقرة: ١٨٧].
والمعنى: أنه رفع التبعة في تركه عنكم، كما يرفع التبعة عن التائب. وعبر عن الصلاة بالقراءة لأنها بعض أركانها، كما عبر عنها بالقيام والركوع والسجود، يريد: فصلوا ما تيسر عليكم، ولم يتعذر من صلاة الليل؛ وهذا ناسخ للأوّل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع التركيب، لما تجد التفاوت بين ما عليه التلاوة وقولنا: يُقدر الله الليل، وكذا بين قولنا: زيد يَجود، وحاتم يجود.
قوله: (ولم يتعذر من صلاة الليل)، أي: صلوا ما بَعُد من صلاة الليل، وما لم يُنسبوا إلى التقصير فيها، كما تقول: هذا لم يتعذر عليَّ، أي: هو سهل عندي، لأني لم أُقصر في تخصيله. الجوهري: "التعذير في الأمر: التقصير فيه".
قوله: (وهذا ناسخ للأول)، روينا عن الإمام أحمد بن حنبل ومسلم وأبي داود والدرامي وابن ماجه والنسائي، عن سعد بن هشام، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أُمَّ المؤمنين، أنبئيني عن خُلُق رسول الله؟، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خُلُق نبي الله القرآن. قال: فَهَممت أن أقوم، ولا أسأل عن شيء حتى أموت. ثم بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله؟، قالت: ألست تقرأ: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله قد افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله؟ وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله تعالى في آخر السورة التخفيف، وقام قيام الليل تطوعاً".