فإن قلت: فما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها؟ قلت: الدلالة على أنه قد تأتى في التأمل وتمهل، وكأن بين الأفعال المتناسقة تراخ وتباعد.
فإن قلت: فلم قيل: (فَقَالَ إنْ هَذَا) بالفاء بعد عطف ما قبله ب- «ثم»؟ قلت: لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب، لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث.
فإن قلت: فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين؟ قلت: لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد.
[(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ • ومَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ • لا تُبْقِي ولا تَذَرُ • لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ • عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ • ومَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إلاَّ مَلائِكَةً ومَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ ويَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا ولا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ والْمُؤْمِنُونَ ولِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ ويَهْدِي مَن يَشَاءُ ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلاَّ هُوَ ومَا هِيَ إلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) ٢٦ - ٣١]
(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) بدل من (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا)، (لا تُبْقِي) شيئاً يلقى فيها إلا أهلكته؛ وإذا هلك لم تذره هالكاً حتى يعاد،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بين الجملتين)، يعني قوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾، وقوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾، وذلك أن مراده أنه ليس من عند الله، وأنه من عند البشر؛ فكونه سحراً لا يكون من عند الله، بل يكون من عند البشر، فكان قوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾، من هذا الوجه توكيداً لمتبوعه، ولذلك قال: "أُجري مجرى التوكيد".
قوله: (﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ بدل من ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾)، هذا إنما يستقيم، إذا جعل مثلاً لما يلقى من العذاب الشاق، وإذا قيل: إنه يكلف أن يصعد عقبة في النار، فلا؛ لقوله: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾ [المدثر: ٢٨].