لأن حال هذه العدة الناقصة واحداً من عقد العشرين، أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته، ويعترض ويستهزئ، ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفي عليه وجه الحكمة، كأنه قيل: ولقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها، لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان أهل الكتاب، لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين، فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من الله، وازدياد المؤمنين إيماناً لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل، ولما رأوا من تسليم أهل الكتاب وتصديقهم أنه كذلك.
فإن قلت: لم قال: (ولا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ والْمُؤْمِنُونَ)، والاستيقان وازدياد الإيمان دالا على انتفاء الارتياب؟ قلت: لأنه إذا جمع لهم إثبات اليقين ونفي الشك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال صاحب "الانتصاف": "السؤال أن الفتنة التي هي في تقدير الصفة؛ إذ معنى الكلام ذات فتنة، جعلت سبباً لما بعدها. والمجيب جعل العدة التي عرضت لها هذه الصفة، سبباً لا باعتبار عُروض الصفة. ويجوز أن يرجع قوله: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ﴾ إلى ما قبل الاستثناء، أي: جعلنا عدتهم سبباً لفتنة الكفار ويقين المؤمنين، وهو أقرب. وما ألجأ الزمخشري إلى خلافه، إلا اعتقاد أن الله ما فتنهم".
وقلت: ما ألجأه إليه إلا أن استيقان أهل الكتاب، وازدياد إيمان المؤمنين، واستهزاء الكافرين والمنافقين، ليس مُسبباً عن جعل العدد فتنة؛ فلموافقته لما في الكتابين، صار سبباً لاستيقان أهل الكتاب، ولما كان من شأنه أن يُفتتن به، صار سبباً لحيرة الكافرين، بل الحق في هذا المقام ما قاله القاضي، لأن نفس جعل العدة الموصوفة ليس سبباً، بل القول به هو السبب.
قوله: (لأنه إذا جمع لهم إثبات اليقين). أراد أن الأسلوب من باب الطرد والعكس، لقوله تعالى: ﴿لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾ [التحريم: ٦].