ردعهم بقوله (كَلاَّ) عن تلك الإرادة، وزجرهم عن اقتراح الآيات، ثم قال: (بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخِرَةَ)، فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف، ثم ردعهم عن إعراضهم عن التذكرة وقال: (إنَّهُ تَذْكِرَةٌ) يعني: تذكرة بليغة كافية، مبهم أمرها في الكفاية (فَمَن شَاءَ) أن يذكره ولا ينساه ويجعله نصب عينه فعل، فإنّ نفع ذلك راجع إليه. والضمير في (إنَّهُ) و (ذَكَرَهُ) للتذكرة في قوله (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر: ٤٩]؛ وإنما ذكر لأنها في معنى الذكر أو القرآن.
(ومَا يَذْكُرُونَ إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ) يعني إلا أن يقسرهم على الذكر ويلجئهم إليه، لأنهم مطبوع على قلوبهم، معلوم أنهم لا يؤمنون اختياراً (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وأَهْلُ المَغْفِرَةِ) هو حقيق بأن يتقيه عباده، ويخافوا عقابه، فيؤمنوا ويطيعوا، وحقيق بأن يغفر لهم إذا آمنوا وأطاعوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ردعهم بقوله ﴿كَلَّا﴾ عن تلك الإرادة. في الكواشي: " ﴿صُحُفًا مُّنَشَّرَةً﴾، عنده وقف تام إن جعلت ﴿كَلَّا﴾ بمعنى "ألا"، وعند ﴿كَلَّا﴾ إن جعلتها ردعاً، ثم تبتدئ: ﴿بَل لَّا يَخَافُونَ الْأخِرَةَ﴾، وتقف عند ﴿الْأخِرَةَ﴾، إن لم تجعل ﴿كَلَّا﴾ ردعاً، وعند ﴿كَلَّا﴾ إن جعلتها ردعاً، وتبتدئ: ﴿إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ ". والمصنف جعلهما ردعين للكلامين السابقين، وابتدأ بما بعدها.
قوله: (﴿إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾ يعني: إلا أن يقسرهم على الذكر)، قال الإمام: "إنه تعالى نفى الذكر مُطلقاً، واستثنى عنه حال المشيئة المُطلقة، فيلزم أنه متى حصلت المشيئة يحصل الذِّكر، فحيث لم يحصل الذّكر، علمنا أنه لم تحصل المشيئة. وتخصيص المشيئة بالمشيئة القسرية، ترك للظاهر". وقال القاضي: "وهو تصريح بأن فعل العبد بمشيئة الله".


الصفحة التالية
Icon