ألا ترى إلى امرئ القيس كيف زادها في مستهل قصيدته؟ والوجه أن يقال: هي للنفي، والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاماً له، يدلك عليه قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ • وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة: ٧٥ - ٧٦]، فكأنه بإدخال حرف النفي يقول: إن إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام؛ يعني أنه يستأهل فوق ذلك.
وقيل: إن (لا) نفي لكلام ورد له قبل القسم، كأنهم أنكروا البعث فقيل: لا، أي ليس الأمر كما ذكرتم، ثم قيل: أقسم بيوم القيامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً} [المدثر: ٥٢]، كما أن قوله: ﴿كَلَّا بَل لَّا يَخَافُونَ الْأخِرَةَ﴾ [المدثر: ٥٣] ردع له، كأنه كما أراد، أُقسم بيوم القيامة، إنه لا يصل إلى مراده. وقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ لقوله: ﴿لَّا يَخَافُونَ الْأخِرَةَ﴾، أي: لا يعتقدون الآخرة فيخافوا عقابها، والله أعلم.
قوله: (والوجه أن يقال: هي للنفي)، قال الإمام: "وعلى هذا القول وقع اختيار أبي مسلم، وهو الأصح. ويمكن تقديره بأن يقال: كأنه تعالى يقول: لا أُقسم بهذه الأشياء على إثبات هذا المطلوب، فإنه أعظم وأجل من أن يُقسم عليه بهذه الأشياء، والغرض تعظيم المقسم عليه. أو يقال: لا أقسم بهذه الأشياء على إثبات هذا المطلوب، فإنه أظهر وأجلى أن تحاول إثباته بمثل هذا القسم"، وهذان القولان أحسن من قول المصنف.
قوله: (إن ﴿لَآ﴾ نفي لكلام ورد له). قال أبو البقاء: " ﴿لَآ﴾: رد لكلام مُقدر، لأنهم قالوا: أنت مفتر على الله في قولك: نُبعث، فقال: ﴿لَآ﴾، ثم ابتدأ فقال: ﴿أُقْسِمُ﴾، وهذا كثير في الشعر؛ فإن واو العطف تأتي في مبادئ القصاد كثيراً، يقدر هناك كلام يُعطف عليه".