ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: الجواب من بليغ الكلام وفصيحه، لأنه منطبق على الجواب مع فوائد أخرى، وهو على أسلوب سؤال الكفرة لمؤمني قوم صالح عليه السلام: ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٧٥]. أي: إرساله أمر معلوم مكشوف لا كلام فيه، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به. يعني: اتصاله به أمر ظاهر، إنما السؤال عن اتصال هذا التوبيخ، وهو ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾، بحديث يوم القيامة.
وخلاصة الجواب، إن اتصال الثاني بالأول من جهة أن يتخلص منه إلى الكلام الثالث. والتخلص هو الانتقال من نوع كلام إلى آخر برابطة مناسبة لهما، ولو لم تكن الرابطة مشتملة على معنى الكلامين لم تصلح للربط. والذي يشتمل عليه الكلام الأول والثاني والثالث من المعنى، هو الاهتمام بعاجل الأمر دون الآجل منه، وهذا المعنى في الكلام الثالث ظاهر.
أما في الأول، فكما سبق في تفسير قوله: ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾، على أن يكون إضراباً لما سبق إلى موجب؛ لأن من اشتغل بلذات هذا الأدنى، لا يريد الآجل ولا يؤثره عليها، كأنه قيل: انظر إلى هؤلاء وعظيم ما ارتكبوه، حيث آثروا الحياة الدنيا على نعيم العُقبى، واعتبر من حالهم، ولا تقتف آثارهم، بأنه تهتم بعاجل الحال، وتستعجل في أخذ القرآن، وتُنازع جبريل في القراءة خوفاً من فواتها، ولا تنظر إلى آجلها، لأنا ضمنا أن نحفظه عليك: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، وتكلَّفنا جمعه وقرآنه، ثم عم الخطاب بقوله: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾، أي: بل أنتم يا بني آدم، لأنكم خُلقتم من عَجل تعجلون في كل شيء، ومن ثم تُحبون العاجلة وتذرون الآخرة.


الصفحة التالية
Icon