ألا ترى إلى قوله: (إلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ) [القيامة: ١٢]، (إلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المَسَاقُ) [القيامة: ٣٠]، (إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) [السورى: ٥٣]، (وإلَى اللَّهِ المَصِيرُ) [آل عمران: ٢٨]، (وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة: ٢٤٥]، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: ٨٨]، كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص؟ ! ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر، ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإنّ المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظوراً إليه محال، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكلمات، ثم عاد إلى إتمام ما بُدئ به بقوله: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾. مثاله الشيخ إذا لقن درساً تلميذه وألقى فصلاً، ويراه في أثناء ذلك يستعجل ويضطرب، فيقول له: لا تعجل، فإني إذا فرغت إن كان لك إشكال أزيله، أو تخاف فوتاً فإني أكرر لك حتى أحفظكه، ثم يأخذ الشيخ في كلامه ويتمه. وقراءة "يحبون" بالياء، صريح في أن الكلام مع الإنسان، ولا يتعدى إلى غيره.
وقال القاضي: "قوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ اعتراض، بما يؤكد التوبيخ على حب العاجلة، لأن العجلة إذا كانت مذمومة فيما هو أهم الأمور وأصل الدين، فكيف بها في غيره؟ وقوله: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾، أي: بيان ما أُشكل عليك من معانيه، دليل على جواز تأخير البيان من وقت الخطاب".
قوله: (مُحال). خبر لقوله: "اختصاصه بنظرهم إليه"، وقوله: "لو كان منطوراً إليه" جملة مُعترضة، وقوله: "فوجب حمله" جزاء شرط محذوف، يعني أنا لو فرضنا أنه تعالى منظور إليه مع أن العقل يأباه، فإن اللفظ أيضاً لا يُساعد عليه. يعني: دل تقديم قوله: ﴿إِلَى رَبِّهَا﴾ على


الصفحة التالية
Icon