[(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَما تَشاءون إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً * يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ٢٩ - ٣١]
(هذِه) إشارةٌ إلى السورة أو إلى الآيات القريبة (فَمَنْ شاءَ) فمن اختار الخير لنفسه؛ وحسن العاقبة. واتخاذ السبيل إلى الله عبارةٌ عن التقربٍ إليه والتوسل بالطاعة (وَما يَشاؤونَ) الطاعة (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) بقسرهم عليها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والوجه هو الأول، لأن الآية واردة عقب قوله: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾. أنكر عليهم رُكونهم إلى هذه العاجلة التي هي لا طائل تحتها، بحيث بلغ إلى المحبة الذاتية، وذُهولهم عما هو مصيرهم إليه من الأمر المهول، بحيث بلغ إلى أن جعلوه كالشيء المتروك المنسي، ثم قال: نحن خلقناهم وشددنا توصيل أعصابهم، ليشتغلوا بعبادتنا عن الالتفات إلى الغير ويشكروا تلك النعمة. ولا بد أن يُفكك هذا التركيب، ويُحلل هذا التوثيق، ثم يعيده كما هو الآن في شدة الأَسْر، للمجازاة على ذلك، وحقق ذلك بقوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾.
قوله: ("وما يشاؤون" الطاعة ﴿إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾ بقسرهم عليها)، الإنصاف: "حَرَّف النص؛ والآية حاضرة بالنفي والإثبات، ككلمة لا إله إلا الله، وما ذكره مُضاد للآية بزعمه، فالمعنى عنده أن مشيئة العبد الفعل، لا يكون إلا إذا قسره الله عليه، والقسر ينافي المشيئة، فحاصله أن مشيئة العبد لا توجد إلا إذا انتفت، فأراد إثبات المشيئة مطلقاً، فنفاها