وقرئ: "انطلقوا" على لفظ الماضي إخباراً بعد الأمر عن عملهم بموجبه، لأنهم مضطرون إليه لا يستطيعون امتناعاً منه (إِلى ظِلٍ) يعنى دخان جهنم، كقوله: (وظل من يحموم) [الواقعة: ٤٣]. (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) بتشعب لعظمه ثلاث شعب، وهكذا الدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب. وقيل: يخرج لسانٌ من النار فيحيط بالكفار كالسرادق، ويتشعب من دخانها ثلاث شعب، فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم؛ والمؤمنون في ظل العرش (لا ظَلِيلٍ) تهكمٌ بهم وتعريضٌ بأن ظلهم غير ظل المؤمنين (وَلا يُغْنِي) في محل الجر، أي: وغير مغنٍ عنهم من حرّ اللهب شيئاً. (بِشَرَرٍ)، وقرئ: "بشرار" (كَالْقَصْر) أي: كل شررةٍ كالقصر من القصور في عظمها. وقيل: هو الغليظ من الشجر، الواحدة قصرة، نحو: جمرةٌ وجمر. وقرئ: "كالقصر" بفتحتين: وهي أعناق الإبل، أو أعناق النخل،.....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين)، يعني: أدمج في معنى ﴿لَّا ظَلِيلٍ﴾ معنيين: أحدهما: التهكم بهم، لأن مفهوم الظل للاسترواح وهاهنا عكسه، كما في قوله: ﴿وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ﴾ [الواقعة: ٤٣ - ٤٤]. وثانيهما: تعريض بأن للمؤمنين ظلاً على خلافه، ليزيد في تحسرهم وتشويرهم، ومن ثم قال: "فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم، والمؤمنون في ظل العرش".
قوله: (أي: وغير مُغن عنهم)، قيل: هو من قولهم: أغن عني وجهك، أي: أبعده، ويقال: ما يُغني عنك هذا، أي: ما يُجزئ عنك ولا ينفعك، لأن الغني عن الشيء يباعده، كما أن المحتاج إليه يقاربه؛ وإنما عُدي بـ "عن" ليضمنه معنى "مُبعد".
قوله: (وهي أعناق الإبل، أو أعناق النَّخل)، وإنما كرر الأعناق، ليؤذن بأن الأول غير الثاني. الأساس: "ومن المجاز: أتاتي عنق من الناس، وأقبلت أعناق الرجال، قال العجاج:
حتى بدت أعناق صبح أبلجا